إن شفاعة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لشيعته يوم القيامة، مبنيٌ على الروايات المعتبرة عند الإمامية، ومقسّمٌ بطريقة منهجية توضح المفهوم وأدلته وموقعه في العقيدة.

شفاعة الإمام المهدي لشيعته يوم القيامة

تمهيد: معنى الشفاعة

الشفاعة في اللغة: من الشفع، وهو ضمّ الشيء إلى مثله.

وفي الاصطلاح: هي سؤال الخير للغير، أو التوسّط لدى الله لرفع العقوبة أو لزيادة الثواب.

الشفاعة من العقائد الثابتة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهي من مظاهر الرحمة الإلهية، وليست خروجًا عن العدل، بل تأكيد له.

أولًا: أصل الشفاعة في القرآن الكريم

القرآن الكريم أقرّ بالشفاعة وبيّن أنها لا تكون إلا بإذن الله:

{مَن ذا الّذي يشفعُ عندهُ إلّا بإذنه} (البقرة: 255)

{ولا يملكون الشفاعة إلّا من اتّخذ عند الرحمن عهدًا} (مريم: 87)

{يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولًا} (طه: 109)

ثانيًا: الشفاعة لأهل البيت (عليهم السلام)

أهل البيت (ع) هم المقرّبون والمشفّعون عند الله، كما ورد:

عن النبي ﷺ:

«أنا أول شافع وأول مشفَّع.»

الأمالي - الشيخ الطوسي - الصفحة ٢٧١

وعن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعدما خرج أبو عبد الله عليه السلام فسرنا من الحيرة إلى المدينة.

فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام فقال لنا: تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين صلوات الله عليه من ههنا وأومى إليه أبو عبد الله عليه السلام وأنا معه.

الى أن يقول :

« يا أمير المؤمنين ويا أبا عبد الله أتيتكما زائرا " ومتوسلا " إلى الله ربي وربكما متوجها " إليه بكما، ومستشفعا " بكما إلى الله في حاجتي هذه، فاشفعا لي، فان لكما عند الله المقام المحمود، والجاه الوجيه، والمنزل الرفيع، والوسيلة، إني أنقلب عنكما منتظرا لتنجز الحاجة وقضائها ونجاحها من الله بشفاعتكما لي إلى الله في ذلك ».

بحار الأنوار : ج ٩٨ - ص ٢٩٦ ـ 298.

 

 

 

ثالثًا: الإمام المهدي (عج) والشفاعة

الإمام المهدي (عج) هو آخر أئمة أهل البيت، ووارث علمهم، ومظهر رحمة الله في آخر الزمان.

وقد وردت روايات تُشير إلى أن له مقامًا خاصًا في الشفاعة يوم القيامة، خاصة لشيعته وأتباعه الصادقين.

1. شفاعته للمذنبين من شيعته

قال الكراجكي في كنز الفوائد في بيان معتقد الامامية: يجب أن يعتقد أن أنبياء الله تعالى وحججه عليهم السلام هم في القيامة المتولون للحساب بإذن الله تعالى، وأن حجة أهل كل زمان يتولى أمر رعيته الذين كانوا في وقته.

وإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر من بعده عليهم السلام هم أصحاب الأعراف الذين لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله يحاسب أهل وقته وعصره، وكذلك كل إمام بعده، وأن المهدي صلوات الله عليه هو المواقف لأهل زمانه، والمسائل للذين في وقته.

 

2. الشفاعة شرطها الولاء والعمل

الشفاعة ليست مفتوحة بلا حدود، بل مرتبطة بـ:

الولاء الحقيقي

الطاعة

ترك الظلم والمعاصي

وقال الصادق عليه السلام: " إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة ".

من لا يحضره الفقيه : ج ١ - ص ٢٠٦.

3: صور شفاعة الإمام المهدي

1. شفاعته في ساحة المحشر

حين يُحشر الناس حفاة عراة، يُنادى باسم المهدي، ويُؤذن له بالشفاعة، فيطلب أمّته من بين الخلائق.

2. شفاعته عند الصراط

الصراط دقيق، أدق من الشعر وأحدّ من السيف، ويكون الإمام المهدي واقفًا عليه، يُمسك بيد المؤمنين، ويعينهم على المرور.

3. شفاعته عند الميزان

في مقام وزن الأعمال، تكون له (عج) القدرة على التوسّط لزيادة حسنات بعض الموالين، أو ستر سيئاتهم.

خامسًا: علامات قبول الشفاعة

من أهم علامات أن يشملك الإمام المهدي (ع) بشفاعته:

الصدق في الولاء له

التمسك بالحق والعمل بالتكليف

التوبة من الذنوب

التحسّر على بعد اللقاء به

كثرة الدعاء له والتوسل به

ولذا ندعو بهذا الدعاء :

«اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.»

خاتمة: أمل لا ينقطع

إنّ شفاعة الإمام المهدي (عج) هي رحمة من الله لعباده المذنبين، ولمن ثبتوا على طريق الولاية رغم تقصيرهم. فهي أمل للمحبين والتائبين، وباب من أبواب النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون.

نسأل الله أن لا يحرمنا من شفاعة الإمام المهدي (عج)، وأن نكون ممن يُرضيه في الدنيا، فيرضى عنهم في الآخرة.