يُعدّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) شخصية محورية في العقيدة الإسلامية، وخصوصًا عند الشيعة، الذين يؤمنون بظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.
ومع هذا، فإننا لا نجد في نصوص القرآن الكريم ذكراً صريحاً له باسمه أو بلقب "المهدي".
وهذا السؤال طالما شكّل محوراً للنقاش بين علماء المسلمين والباحثين في شؤون العقيدة. في هذا المقال، نُقدّم تحليلًا مفصّلًا للأسباب المحتملة وراء هذا الغياب الاسمي، مع الإشارة إلى الأبعاد الدينية، والاجتماعية، والحِكم الإلهية المحتملة في ذلك.
أولًا: التمهيد لغيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وأثرها على عدم التصريح بالاسم
من المعلوم في الفكر الشيعي، أن غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) كانت جزءًا من التخطيط الإلهي لحمايته من القتل كما حدث مع آبائه من الأئمة. ولو ذُكر الإمام المهدي (عجل الله فرجه) باسمه الصريح ومكان ولادته وتفاصيل ظهوره بدقة، لكان ذلك سببًا في تعرّضه للأذى أو التصفية الجسدية، خصوصًا في ظل تضييق العباسيين على أهل البيت (ع). لذا، فإن عدم ذكره صراحة قد يكون لحكمة وقائية، ضمن تخطيط إلهي لحفظ الإمام حتى موعد ظهوره.
ثانيًا: منهج القرآن في عدم التصريح بأسماء بعض الشخصيات المستقبلية
القرآن الكريم لم يكن كتابًا تنبؤيًا بمعناه الزمني البشري، بل هو كتاب هداية وتشريع، يعتمد على الإشارات والرموز أحيانًا أكثر من التصريح المباشر. فمثلًا، المسيح الدجال، الذي له دور محوري في أحداث آخر الزمان أيضًا، لم يُذكر بالاسم في القرآن رغم خطورته. وكذلك لم يُذكر اسم الخليفة الأول أو الثاني أو غيرهم من الشخصيات المركزية في التاريخ الإسلامي.
هذا الأسلوب يشير إلى أن ذكر الاسم ليس بالضرورة شرطًا للبيان الإلهي، وإنما يُكتفى بالإشارات لمن يفهم ويتدبّر، كما ورد في قوله تعالى:
"فيه آياتٌ بيِّناتٌ" (آل عمران: 97) — أي أن البيان متاح لمن يملك أدوات التدبر.
ثالثًا: الاعتماد على السنّة النبوية لتفصيل المجمل
القرآن الكريم وضع القواعد العامة، بينما أوكل للسنّة النبوية مهمّة التفصيل. وقد وردت عشرات الأحاديث المعتبرة، عند السنة والشيعة، تتحدث عن المهدي وصفاته واسمه ونَسَبه، مثل الحديث المتواتر:
"المهدي من عترتي، من ولد فاطمة" و"يواطئ اسمه اسمي".
فغياب الاسم في القرآن لا يعني غياب الشخصية من الدين، بل يعني أن الحديث عنها كان موكولًا إلى النبي محمد (ص) الذي أوضح تفاصيلها في سنّته، وهو منهج قرآني مألوف، قال تعالى:
"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" (الحشر: 7).
رابعًا: الإشارات القرآنية التي فسّرها المفسرون بالمهدي
رغم عدم ذكر الاسم الصريح، فإن العديد من المفسرين أشاروا إلى وجود آيات تتحدث عن الإمام المهدي بصورة رمزية أو إشاريّة، منها:
"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" (الأنبياء: 105): فسّرها بعض العلماء بأنها وعد بظهور المهدي.
"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره" (الصف: 8): قال البعض إنّ "تمام النور" يتحقّق بظهور المهدي.
"ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" (القصص: 5): اعتُبرت من الإشارات إلى دولة الإمام المهدي.
خامسًا: حِكَم تربوية وتشريعية في عدم ذكر الاسم
من الحِكَم المحتملة لعدم التصريح باسم الإمام المهدي:
تشجيع البحث والتدبّر: من خلال إشارات غير مباشرة، يُدفع المؤمنون إلى البحث والتحقيق في النصوص.
اختبار الإيمان والولاء: الغموض حول تفاصيل ظهور المهدي قد يكون ابتلاءً لتمييز المؤمن الثابت عن المتردد.
مرونة التفسير الزمني: ترك الاسم صريحًا كان قد يحد من إمكانية التفسير، أما الإشارة فتبقى مرنة عبر الزمان.
الخاتمة:
إن عدم ذكر الإمام المهدي بالاسم في القرآن لا ينفي وجوده ولا يقلّل من شأنه في العقيدة الإسلامية، بل يعكس حكمة إلهية في استخدام الأسلوب الرمزي والإشاري بما يتناسب مع طبيعة هذا الحدث الغيبي العظيم. وقد تكفّلت الأحاديث النبوية بتفصيل ما أجمل في القرآن، مما يجعل المنظومة الدينية متكاملة بين النص والتفسير النبوي. فالإيمان بالإمام المهدي لا يقوم على الاسم المكتوب، بل على جملة النصوص المتكاملة التي ترسم لنا صورة واضحة عن هذا المنقذ الموعود.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة