مقدمة
من أهم القضايا العقدية التي تثار حول الإمام المهدي عليه السلام هي: ما فائدة وجوده إذا كان غائبًا عن الأنظار، ولم يلتقِ به أحد أو لم يُعرف مكانه؟ هذه الشبهة قديمة طرحها بعض المشككين منذ بداية الغيبة الكبرى، ويجيب عنها العلماء بالاستناد إلى القرآن الكريم والسنة والعقل.
أولًا: مبدأ ضرورة وجود الحجة
روى الكليني بسنده عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قلت: فانا نروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد، فقال: لا، لا تبقى إذا لساخت. » (الكافي، ج1، ص179).
يدل الحديث على أن وجود الإمام ضروري لحفظ نظام العالم، حتى لو لم يكن ظاهرًا للناس.
الفائدة هنا ليست مقصورة على التعليم المباشر، بل وجوده سبب لاستقرار الكون وبقاء الرحمة الإلهية نازلة على الخلق.
ثانيًا: الفائدة غير المباشرة
رغم أن الناس لا يرونه، إلا أن لوجوده فوائد كبرى غير مباشرة:
حفظ الدين من الاندثار والتحريف: فالإمام يمارس دور الرقابة الغيبية على مسيرة الأمة، ويهيئ الأرض للظهور.
إبقاء الأمل في النفوس: فالإيمان بوجوده يحفظ روح المقاومة لدى المؤمنين ويمنعهم من اليأس.
التسديد الغيبي: ورد عن جابر الأنصاري أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه السلام في غيبته؟
فقال صلى الله عليه وآله: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب.
بحار الأنوار - ج ٥٢ - ص ٩٣.
الإعداد للظهور: وجوده ضرورة ليأتي اليوم الموعود حيث يقيم العدل الإلهي، وهذا لا يتحقق إلا بوجود القائد المعصوم المحفوظ.
ثالثًا: تشبيه الإمام بالشمس خلف السحاب
النص الوارد عن الإمام الصادق (ع) يؤكد أن التشبيه بالشمس دقيق جدًا:
الشمس وراء السحاب تمنح الحرارة والضوء وتضمن استمرار الحياة.
كذلك الإمام الغائب يحفظ الدين ويضيء قلوب المؤمنين ببركاته وإن لم يُرَ بالعين.
رابعًا: البعد العقلي
العقل يقبل الغياب مع الفائدة: كثير من القوى النافعة غير مرئية (الكهرباء، الهواء، الجاذبية) ومع ذلك الجميع يعترف بأثرها.
حكمة الامتحان: إن غيبة الإمام امتحان لإيمان الناس، هل يتمسكون بالدين على بصيرة أم ينهارون مع غياب السلطة الظاهرة؟
وجود القائد المحفوظ للساعة الموعودة: من دون وجوده، من سيقود النهضة الإلهية الكبرى؟ فالعقل يقبل أن يبقى الإمام محفوظًا حتى يأذن الله له بالظهور.
خامسًا: الجانب الروحي والتربوي
وجود الإمام يشعر المؤمن بأن لله حجة حية شاهدة على أعمال البشر.
الدعاء له والانتظار الصادق يربط القلوب بالله ويزكي النفوس.
الإيمان بالمهدي يحفظ وحدة المؤمنين حول مشروع إلهي عالمي، حتى في غيابه.
خاتمة
إذن فائدة الإمام المهدي (عج) ليست متوقفة على ظهوره الحسي، بل تمتد لتشمل:
حفظ نظام الكون.
استمرار الهداية الغيبية.
بث الأمل والانتظار في نفوس المؤمنين.
تهيئة العالم للعدل الإلهي.
وكما أن الشمس المحجوبة بالسحاب لا يمكن إنكار وجودها ولا أثرها، كذلك وجود الإمام المهدي عليه السلام وإن غاب عن الأبصار.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة