إن عوامل نشوء اليقين بولادة المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي على الشكل الآتي:
العامل الأوّل: الأحاديث الشريفة:
الأحاديث الكثيرة المسلمة بين الفريقين الإماميّة وغيرهم، التي تدلّ بالدلالة الالتزاميّة على ولادة الإمام، (عليه السلام)، ومن هذه الأحاديث:
١- الحديث الأوّل: حديث الثقلين: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله (عزّ وجلّ)، وعترتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتان من بعدي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض"(1).
وهذا يدلّ على أنّ العترة الطاهرة مستمرّة مع الكتاب الكريم. وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلّا بافتراض أنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قد وُلد ولكنّه غائب عن الأعين، إذ لو لم يكن مولوداً وسوف يولد في المستقبل لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة، وهذا ما يخالف قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهو يقول: "ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض"، وهذا لازمه أنّ العترة لها استمرار وبقاء مع الكتاب إلى أن يردا على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا ما لا يمكن توجيهه إلّا بناءً على القول بولادة الإمام المهديّ وغيابه لاحقاً، وإلّا يلزم الإخبار على خلاف الواقع.
وهذا حديث واضح الدلالة على ولادة الإمام، لكنّه لم يرد ابتداءً في الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لكن نستفيد منه ولادة الإمام بالدلالة الالتزاميّة.
٢- الحديث الثاني: حديث الاثني عشر، الذي تقدّم في الدرس الأوّل، ليس له تطبيق معقول ومقبول إلّا على الأئمّة الاثني عشر (عليه السلام)، وقد تقدّم نصّ الحديث.
وهذا الحديث بالملازمة يدلّ على ولادة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إذ لو لم يكن مولوداً الآن، والمفروض أنّ الإمام العسكريّ (عليه السلام) توفّي، ولم يحتمل أحد أنّه موجود، إذاً كيف يولد الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من أب متوفّى، فلا بدّ وأن نفترض أنّ ولادة الإمام قد تحقّقت، وإلّا فسيكون هذا الحديث تطبيقه غير وجيه. فهذا الحديث بالدلالة الالتزاميّة يدلّ على ولادة الإمام.
٣- الحديث الثالث: "من مات ولم يعرف إمام زمانه":
حدّث أبو عليّ بن همام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمريّ - قدّس الله روحه - يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وأنا عنده، عن الخبر الذي رُوي عن آبائه (عليهم السلام): "أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وأنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة"، فقال (عليه السلام): "إنّ هذا حقٌّ كما أنّ النهارَ حقّ"، فقيل له: يابن رسول الله، فمَن الحُجّةُ والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد، هو الإمام والحجّة بعدي، مَن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهليّة. أما إنّ له غَيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج، فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة"(2).
ثمّ إنّ هذا الحديث مرويّ عند السنّة والشيعة (3).
وجه الاستدلال بالحديث أنّه إذا لم يكن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مولوداً الآن، فهذا معناه أنّنا لن نعرف إمام زماننا، وستكون ميتتنا ميتة جاهليّة، لأننا لم نعرف إمام زماننا ونعتقد به.
العامل الثاني: إخبار النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) حول ولادة المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
كثرت الأخبار عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة (عليهم السلام) التي تتحدّث بأنّه سوف يولد للإمام العسكريّ (عليه السلام) ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولكن يغيب قبل ذلك. فالشيخ الصدوق
في كمال الدين، جعلها في أبواب متعدّدة(4)، وقد جُمعت الأحاديث فكانت مائة وثلاثة وتسعين حديثاً. وإذا ضممنا إليها ما ذكره الشيخ الكلينيّ في الكافي، والشيخ الطوسيّ، وغيرهما، فربّما آنذاك يفوق العدد الألف رواية، فقد ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): روى ابن عبّاس، قال: سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: "... ألا وإنّ الله - تبارك وتعالى - جعلني وإيّاهم حججاً على عباده، وجعل مِن صُلب الحسين أئمّة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهديّ أمّتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة..."، إلى آخر الحديث(5).
وفي حديث آخر عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - ثمّ قال: يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يُشَكُّ في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أن الله (عزَّ وجلَّ) يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال: قلت: جعلت فداك، إنْ أدركت ذلك الزمان، أيّ شيء أعمل؟ قال: يا زرارة، إذا أدركت هذا الزمان فادعُ بهذا الدعاء (اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك. اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني)، ثمّ قال: يا زرارة، لا بدّ من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك، أليس يقتله جيش السفيانيّ؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني فلان، يجيء حتّى يدخل المدينة، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون، فعند ذلك توقّع الفرج، إن شاء الله"(6).
وبالنتيجة نقول: إنّ هذه الكثرة تجعل هذه الأحاديث متواترة، ولا معنى للمناقشة فيها، وهي واضحة غير قابلة للاجتهاد أو التأويل، وقد اعتبر هذا العامل من عوامل نشوء اليقين بولادة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج٢، ص٣٤.
(2) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص٤٠٩.
(3) راجع: الفصول المختارة للشيخ المفيد.
(4) باب ما روي عن النبيّ في الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ذكر فيه خمسة وأربعين حديثاً. ثمّ بعد ذلك ذكر باب ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الإمام المهديّ. ثمّ باب عن الزهراء عليها السلام وما ورد عنها في الإمام المهديّ (عليه السلام)، ذكر فيه أربعة أحاديث. ثمّ عن الإمام الحسن (عليه السلام)، ذكر فيه حديثين. ثمّ عن الإمام الحسين (عليه السلام)، ذكر فيه خمسة أحاديث. ثمّ عن الإمام السجّاد (عليه السلام)، ذكر فيه تسعة أحاديث. ثمّ عن الإمام الباقر (عليه السلام)، ذكر فيه سبعة عشر حديثاً. ثمّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ذكر فيه سبعة وخمسين حديثاً.
(5) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص٢٥٧.
(6) الكافي ـ ج١، ص٣٣٧.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة