مقدمة
من أبرز مظاهر الارتباط الوجداني والعقائدي في مدرسة أهل البيت عليهم السلام هو الحزن العميق الذي يكنّه الأئمة الطاهرون على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام. ويقف الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف في طليعة هؤلاء المحزونين، بل يظهر من النصوص أن حزنه على جده الحسين لا يشبهه حزن ولا ألم، فهو يعيش مأساة كربلاء بكل تفاصيلها، ويجددها في ليله ونهاره، بل ويتخذها شعارًا لثورته العالمية.
أولاً: دلالة النصوص على حزن الإمام المهدي
1. السلام الصباحي على جده الحسين
ورد عن الإمام المهدي عليه السلام في "زيارة الناحية المقدسة" هذه العبارات:
«فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِي الدُّهُورُ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ الْمَقْدُورُ، وَلَمْ أَكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِبًا، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ الْعَدَاوَةَ مُنَاصِبًا، فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَلَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَمًا».
هذه العبارات تبين بشكل واضح أن الإمام المهدي عليه السلام يعيش لوعة الفقد والحزن العميق، حتى أنه يقول: "لأبكينّ عليك بدل الدموع دمًا"، مما يدل على احتراق قلبه بمصاب جدّه، وشدة ألمه عليه.
2. زيارة الناحية والبيان المفصّل للمأساة
زيارة الناحية المقدسة هي منسوبة للإمام المهدي، وفيها يصف بكل تفصيل مشاهد مقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه، بل بأدق التفاصيل التي لم تُذكر في كثير من كتب المقاتل، مما يدل على حضوره الوجداني الحي في كربلاء، وإن غابت عنه في الظاهر.
ثانيًا: كربلاء في وجدان الإمام المهدي
كربلاء بالنسبة للإمام المهدي ليست فقط حدثًا تاريخيًا، بل هي قضية حية مستمرة. بل يمكن القول إن ثورته المنتظرة تقوم على الانتقام من قاتلي الحسين، كما تشير الروايات.
- ورد في الروايات:
«يخرج القائم عليه السلام… شعارهم: يا لثارات الحسين»
(الغيبة للطوسي، ص 282)
فكأن ثأر الحسين هو الغاية الروحية والسياسية لحركة الإمام المهدي، ما يدل على أن جرح كربلاء مفتوح في قلبه الشريف، بل يمثل مفتاح ظهوره.
ثالثًا: المأساة كحالة وجدانية متكررة
ورد عن الإمام المهدي أيضًا في بعض الروايات أنه:
«يحيي ليلة عاشوراء، ويقيم العزاء على الحسين عليه السلام، ويجدد المصيبة في كل عام، ولا يهدأ له بال حتى يظهر ويأخذ بثأره»
وهذا ينسجم مع ما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة:
«وَرَغْبَتِي إِلَيْكُمْ فِي مَوَدَّتِكُمْ، وَالْمُقَامِ مَعَكُمْ، وَالتَّصْدِيقِ لِرَجْعَتِكُمْ، وَالظُّهُورِ أَمْرِكُمْ، وَالْأَخْذِ بِثَأْرِكُم».
رابعًا: فلسفة الحزن في مدرسة الانتظار
الحزن في فكر الإمام المهدي ليس ضعفًا، بل هو قوة وجدانية تبعث على الوعي والتفاعل مع مظلومية أهل البيت، لا سيما سيد الشهداء. والحزن على الحسين يمثّل تهيئة نفسية وروحية للمؤمن ليكون أهلًا لنصرة الإمام المهدي.
ومن هنا، فإن إقامة العزاء والبكاء والندب والتفاعل الوجداني العميق مع كربلاء، هي من علامات المنتظر الحقيقي.
خامسًا: حزن الإمام المهدي نموذجًا للحزن الإلهي
يُفهم من بعض الروايات أن بكاء الإمام المهدي وندبته لجده الحسين عليه السلام تمثل صدى لبكاء السماء والأرض والملائكة، فهو يحمل قلبًا إلهيًا رحيمًا، تتفاعل فيه جميع آلام الأمة، ولكن تبقى فاجعة كربلاء هي الأقسى في وجدانه.
خاتمة
الإمام المهدي عليه السلام ليس غائبًا عن كربلاء، بل هو أكثر الحاضرين فيها وجدانًا وروحًا. فحزنه العميق والمستمر على جده الحسين هو جزء من هويته، ومن مشروعه، ومن دمه الذي يغلي حتى يأخذ بثأره ويملأ الأرض قسطًا وعدلًا. ومن ينتظر الإمام حقًا، فعليه أن يحزن لما يحزن له إمامه، ويبكي لمصيبته، ويعيش كربلاء لا كمأساة من الماضي، بل كعنوان للثورة القادمة.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة