نلاحظ في آيات عديدة من القرآن الكريم أنَّها بشَّرت بالإمام المهدي (عليه السلام) ومهَّدت له، وفي بعضها أنَّه ذُكِرَ في الكتب السابقة، وقد ذكر الشيخ الوحيد الخراساني (مُدَّ ظلّه العالي) في كتاب (مقدَّمة في أُصول الدين)، قال:
(قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الزخرف: ٦١].
قال ابن حجر (قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسِّرين: إنَّ هذه الآية نزلت في المهدي).
وقال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ [النور: ٥٥]، وفُسِّرت بالإمام المهدي (عليه السلام) وحكومته، كما في التبيان ومجمع البيان وتفسير القمّي والغيبة للشيخ الطوسي.
وقال الله تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، وقد فُسِّرت ﴿آيَةً﴾ بالنداء الذي يُسمَع من السماء قرب ظهوره (عليه السلام)، والنداء هو: «ألَا إنَّ حجَّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتَّبعوه، فإنَّ الحقَّ معه وفيه».
وقال الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ [القصص: ٥].
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لتعطفنَّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها»، وتلا عقيب ذلك: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾...).
إلى أن قال سماحته:
(قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥]، ورد تفسيرها بالإمام المهدي (عليه السلام) وأصحابه، ومضمون هذه الآية موجود في: كتاب المزامير - زبور داود - المزمور السابع والثلاثين: (لأنَّ الربَّ يُحِبُّ الحقَّ ولا يتخلّى عن أتقيائه. إلى الأبد يحفظون. أمَّا نسل الأشرار فينقطع. الصدّيقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد. فم الصديق يلهج بالحكمة، ولسانه ينطق بالحقِّ، شريعة إلهه في قلبه، لا تتقلقل خطواته).
وفي المزمور الثاني والسبعين: (اللّهمّ اعط أحكامك للملك وبارك لابن الملك. يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحقِّ. تحمل الجبال سلاماً للشعب والآكام بالبرِّ. يقضي لمساكين الشعب. يخلص بني البائسين ويسحقُّ الظالم. يخشونك ما دامت الشمس ودام القمر إلى دور فدور. ينزل مثل المطر على الجُزاز، ومثل الغيوث الذارفة على الأرض. يشرق في أيّامه الصدق، وكثرة السلام إلى أن يضمحلَّ القمر. ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. أمامه تجثو أهل البرية. وأعداؤه يلحسون التراب)) (1).
وأمَّا كونه من التبشير القرآني؛ فلأنَّ الله سبحانه عالم بالغيب، وأخبر بأخبار وقعت؛ ولكن هذا الخبر امتاز عن غيره بأنَّ فيه رفعاً للظلم والجور، وإظهاراً للدين كلّه، فلذلك يُعبِّر عنها بالبشارة.
وعندما نلاحظ الآية المباركة: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ (القصص: ٥)، نجد أنَّ هذا المعنى غير متحقِّق في عصر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولا ما بعد زمن خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فلذلك نستفيد منها مع إضافة الروايات أنَّ القرآن الكريم ناظر إلى صاحب الزمان (عليه السلام) الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً.
وأيضاً الآية الكريمة الأُخرى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ (الفتح: ٢٨)، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (الصفّ: ٩)، نلاحظ أنَّه إلى الآن لم يظهر دين الإسلام على الدين كلِّه، والوعد الإلهي قائل بظهوره، فإذن يظهر الدين كلّه في زمان الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذا نحو من الصراحة لا يمكن أن يُقال فيه: إنَّه مجرَّد رمز غير واضح المعالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقدَّمة في أُصول الدين: ٤٧٥ - ٤٧٧.
المصدر: معالم مهدوية، الشيخ نزار آل سنبل القطيفي، بتصرف.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة